أخاف أن يكون الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان قد قلل من الأموال التي راحت في الريح” على حد قوله على يد مستثمرين وهميين، ربما كان هذا المبلغ (10 مليار دولار) يتلف في السنة الواحدة، لأن ما حققته الجزائر من مداخيل بعد ارتفاع سعر النفط بعد الحرب على العراق، يفوق الألف مليار دولار، لم نر منها إلا بعض الفتات، فالوزير الأول تحدث أيضا عن عقارات منحت لمستثمرين وهميين وبقيت مهجورة، فما هي الخسارة المترتبة عن عدم استغلال هذه العقارات؟
لكن لا بأس، المهم أن الحكومة استفاقت، وهي بصدد إعطاء دفعة حقيقية للاقتصاد الوطني، مثلما أكد عليه رئيس الجمهورية الذي انتقد بشدة اقتصاد نفخ العجلات الذي فوت علينا سنوات وحرمنا من تحقيق مكاسب بملايير الدولارات مصرا على رفع تحدي الانعاش الصناعي لأنه يرى أن قطاع الصناعة هو أساس تحقيق النهضة الاقتصادية.
لا داعي لتذكير مسؤولينا الكرام بمن يعرقل الاستثمار الوطني، ومن يمنح الأولوية لشركات أجنبية مقابل إكراميات سخية، ومن يرمي الملفات في الأدراج حتى ينساها أصحابها، ومن يفضل منح القروض والمشاريع لأسماء بعينها دون غيرها، وقد عاش الرئيس نفسه تجربة مؤلمة عندما حاول التصدي للعصابة التي التفت على مؤسسات الدولة خاصة الاقتصادية منها.
البيروقراطية والجهوية هي العلة التي دمرت الاقتصاد الوطني، ومنعت البلاد من تحقيق نهضة اقتصادية فعلية، دون الحديث عن المشاريع الوهمية التي يأخذ أصحابها القروض، ويستغلون بعضها ويصب بعضها الآخر في حسابات في تركيا وفرنسا وبلدان أخرى.
الوزير الأول ووزير المالية الذي يسهر على تطبيق برنامج الرئيس الطموح ويرى التحديات التي تحدث عنها رئيسنا، يعرف جيدا أن المنظومة المالية والبنكية بوضعها الحالي لا يمكنها أن تواكب التحديات التي يريدها الرئيس قاطرة الاقتصاد، فهل سيجري وزير المالية عملية جراحية لقطاع المالية لاستئصال ورمه في الرحم الذي منع الاقتصاد من إنجاب المشاريع المثمرة، لأنه من غير تطوير المنظومة المالية لا يمكن أن نتحدث عن نجاعة اقتصادية، ولا على التطلع لجلب استثمارات أجنبية، في الوقت الذي يمنحها غرماؤنا كل الظروف والتسهيلات لتصب الاستثمارات الأجنبية في بلادهم.
لا نريد استثمارات على شاكلة مشاريع علي حداد، ولا سياسة اقتصادية على شاكلة التي رسمها أويحيى من عقود وفكك من خلالها النسيج الصناعي الوطني الذي كان مفخرة الصناعة الوطنية، مصانع أنشئت بالملايير وبكثير من الأمل في تحقيق الاستقلال الاقتصادي، فككت وبيعت بالدينار الرمزي للمقربين، وشرد عمالها وألقت بآلاف العائلات إلى التشرد والفقر، فمن يركبون قوارب الموت بالآلاف كل سنة لم يأتوا من العدم، بل ألقت بهم سياسة اقتصادية انتقائية إلى اليأس والمغامرة.
أصدق ما يقوله الرئيس، وأعرف أن نيته صادقة في تحقيق كل ما وعد به، لكن لابد من تطهير شامل في الإدارة وفي قطاع البنوك، ومن دون ثورة حقيقية على البيروقراطية، لن نجني شيئا.